أرحب بكم اليوم، بكثير من السرور، في هذه الندوة، التي ستنكب على موضوع: “الحق في التربية الدامجة: الانتقال المفاهيمي، والتحول في الممارسات، ورهانات التقييم”، والتي تنظمها الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بتعاون وثيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف.
ولا يفوتني، بهذه المناسبة، أن أتوجه بعظيم شكري، إلى السيدة جيوفانا باربريس Giovanna Barberis، ممثلة منظمة اليونيسيف، كما أود أن أشكر بحرارة، جميع المتدخلين في هذه الندوة، مغاربة وأجانب، متمنيا لضيوفنا الكرام مقاما طيبا بيننا.
حضرات السيدات والسادة،
إن الموضوع الذي نلتئم حوله اليوم، ليعكس تشبت مجلسنا بالمبادئ المؤسسة للعدالة والإنصاف، والتربية للجميع، وتكافؤ الفرص، وهي، بلا جدال، نفس المبادئ التي تؤطر الحق في التربية لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة. من ثم، فإن موقفنا تجاه هذا الموضوع واضح تماما، وهو موقف يجسده مضمون الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، التي تدعو ضمن رافعات التغيير التي تعتمدها، إلى “ضمان الحق في ولوج التربية والتكوين لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة”.
ولابد من التذكير هنا، بأن هذا الموقف الثابت، يجد جذروه في دستور المملكة المغربية، الذي وضع قضية الأشخاص في وضعية إعاقة، في صلب أحكامه ذات الصلة بالحقوق والحريات، داعيا السلطات العمومية إلى أخذ هذه القضية بعين الاعتبار، أثناء سن مختلف السياسات العمومية.
من هذا المنطلق، وانسجاما مع ما سبق، كان من المنطقي أن نقوم بتكليف الهيئة الوطنية للتقييم لدى مجلسنا، بإنجاز “تقييم للنموذج التربوي الموجه للأطفال في وضعية إعاقة”، بهدف التوفر على تشخيص دقيق وموثوق، ومن ثم، التمكن من تحديد العوامل المؤثرة، سواء سلبا أو إيجابا، في تربية هذه الشريحة من الأطفال. وبنفس هذه الروح أيضا، أسند المجلس إلى اللجنة الدائمة المكلفة بالمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية، مهمة التفكير والبحث، من أجل تمكين مؤسستنا من تعميق التفكير في هذا الموضوع، ومن ثم، إصدار رأي المجلس وتوصياته الاستشرافية بشأن تعليم الأطفال في وضعية إعاقة.
حضرات السيدات والسادة،
لقد عرفت السياسة التربوية لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة ببلادنا، خلال السنوات الأخيرة، تقدما مهما على المستوى المعياري، وذلك، بفضل المصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وإصدار العديد من النصوص التشريعية والتنظيمية. غير أنه، وبالنظر إلى واقع الحال، واستمرار العوائق التي تحول دون ولوج كل الأطفال في وضعية إعاقة للمدرسة، مع استفحال ظاهرة الانقطاع المبكر بالنسبة للذين تمكنوا من ولجوها، فما زلنا بعيدين عن تحقيق ما نسعى إليه، لكي يتمتع هؤلاء الأطفال بالحق في التربية.
لذلك، ومن أجل ضمان التفعيل اللازم لهذا الإطار المعياري علينا بذل مجهودات جبارة في اتجاهات متعددة:
- أولا، إذكاء وعي جماعي بكون الإنسان، مهما كان سنه، لا يمكن اختزاله في أوجه عجزه، إذ لا شيء أكثر ظلمًا من هذه النزعة الاختزالية والتمييزية وأن دستور المملكة ينص على محاربة كل أشكال التمييز؛
- ثانيا نشر النتائج الجيدة التي يحصل عليها الأطفال في وضعية إعاقة، كلما توفرت لهم شروط الولوج المادي، مع الإشراف التربوي الملائم، وبتوفير الأطر المؤهلة وطرق التدريس المناسبة.
- ثالثا الأخذ في الاعتبار أن هذا المجال هو مجال للتعبئة بامتياز، والتنسيق المنظم، والتفاعل، والتعاون، بين الآباء والأمهات والأولياء، والمربين، والخبراء، والجمعيات، والجماعات الترابية، وأنه يتعين على السلطات العمومية تنظيم هذا التنسيق بكيفية محكمة.
من الضروري التذكير بأننا نتوفر على مؤهلات مهمة للمضي قدما في مسار التربية الدامجة، والتي يمكن استثمار ها لتحقيق القفزة النوعية في هذا المجال. ويمكن أن نلخص هذه المؤهلات في توفرنا على ثلاث دعامات أساسية:
- الدعامة الأولى التي تكون الأساس لمؤهلاتنا تتعلق، في المقام الأول، بالالتزام المثالي لجلالة الملك لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، والرعاية التي يحيطهم بها في المدن والمناطق النائية، والوسائل التي سخرها لخدمة هذه القضية، والإنجازات العديدة التي حرص على تحقيقها؛
- أما الدعامة الثانية فتتجلى في التطور الذي عرفته السياسات العمومية الحكومية في هذا المجال، والتي أصبحت تعكس دينامية والتزاما قويين من أجل تحقيق إدماج الأطفال في وضعية إعاقة؛
- وتكمن الدعامة الأخير في الدور الذي يؤديه المجتمع المدني بحركتيه، والجمعيات بالتزامها الموصول لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، مما ساهم إلى حد كبير في الانتقال من مقاربة “إحسانية” إلى مقاربة قائمة على حقوق الأشخاص.
يجب أن تشكل هذه الدعامات أساسا لحشد قوتنا لتجاوز نقط ضعفنا. ولي اليقين بأن نقاشاتكم خلال هذين اليومين، ستساعدنا على التغلب على الصعوبات، وعلى المضي بخطى ثابتة في المسار الذي اخترناه؛ كما أنني متأكد من أن أعمالكم ستعبد الطريق أمامنا، ونحن نستلهم منها أفكارا قيمة، لبلوغ تحقيق الحق في التربية لكل الأطفال في وضعية إعاقة في المدرسة المغربية، وبالتالي ترسيخ ذلك الحق في العقليات والممارسات.
أشكركم وأتمنى لهذه الندوة كامل التوفيق.