حضرات السيدات والسادة
الحضور الكريم
يطيب لي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الذي يخلده المنتظم الدولي في ثامن مارس من كل سنة، أن أتقدم بالتهاني الخالصة لكافة نساء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ومن خلالهن للمرأة المغربية التي تواجه تحديات المجتمع بصبر وإصرار، ولست في حاجة إلى التأكيد على الدور الريادي الذي تقوم به نساء المجلس الأعلى من مختلف الفئات المهنية في سيرورة نشاط وأعمال مجلسنا.
كما أود بهذه المناسبة أن أتوجه بتحية إجلال وإكبار لصفوة من المناضلات والرائدات والقياديات في مختلف الهيئات والمجالات الفكرية، والعلمية ،والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والذي بفضل نضالهن الطويل والمستمر، من أجل الكرامة والمساواة، أصبح النهوض بأوضاع المرأة انشغالا مجتمعيا، وحققت بلادنا العديد من المكتسبات، حيث شقت المرأة المغربية مساراً تصاعدياً في المشاركة السياسية، وصنع السياسات العمومية، سواء على المستوى الوطني، أو المحلي الترابي ، بفضل مجموعة من الإصلاحات المؤسساتية والقانونية توجت بدستور 2011 الذي شكل منعطفا هاما في مسار تکريس حقوق المرأة وقيم المواطنة ، والحرية والحداثة والمساواة بين الجنسين في الحياة الاجتماعية، وأكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، ونص على إحداث هيئة المناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز.
وعلى صعيد التحولات المجتمعية تبنى المغرب المنظومة الحقوقية الدولية ومواثيقها المتعلقة بحقوق المرأة، كما تبنى أيضا المواثيق التي تنادى بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة وإرساء مساواة بين الجنسين.
حضرات السيدات والسادة؛
تستند خطة ادماج مقاربة النوع الاجتماعي في المنظومة التربوية، على مرجعية الرؤيا الاستراتيجية 2015-2030 التي جعلت من التربية على قيم المساواة وتكافؤ الفرص، إحدى الرافعات الأساسية لترسيم البعد القيمي، وثقافة الحقوق والمساواة بين الجنسين وتكامل الأدوار بينهما.
وشكل ذلك في الحقيقة رهانا والتزاما مجتمعيا قويا، يتطلب الشراكة والتعاون بين مختلف الفاعلين، وخصوصا المؤسسات التي تتقاسم مع المدرسة وظائف لها صلة بالتنشئة الاجتماعية، كالأسرة، والإعلام وغيرهما حيث يفترض تكامل الأدوار رغم اختلاف الوظائف.
وارتباطا بذلك، لا بد من استحضار ما تم إنجازه ضمن المشاريع الاستراتيجية لتنزيل القانون الإطار-51 175, المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وخصوصا استحضار. خارطة الطريق للارتقاء بالنوع الاجتماعي، في المنظومة التربوية.
ومن ضمن التدابير ذات الأولويات التي تم اعتمادها في هذا المجال، الارتقاء بوضعية المرأة العاملة بقطاع التربية والتكوين وتشجيع الولوج العادل للوظائف ومناصب اتخاذ القرار التربوي، ورفع مؤشرات تمدرس الفتيات، وتقليص نسبة الهدر المدرسي في صفوف الفتيات، خصوصا في العالم القروي واعتماد برامج الدعم الاجتماعي والنفسي، والبيداغوجي للتلميذات، وارتفاع نسبة الإناث المستفيدات من برنامج “تیسیر” ومن المبادرة الملكية مليون محفظة، ومن خدمات النقل المدرسي والمطاعم المدرسية.
وإذا كان من المنصف التذكير بما تحقق لفائدة نساء المغرب من مكاسب جعلت من انخراطهن في التحولات التي شهدها المجتمع أمراً واقعاً، إلا أن جملة من النواقص والإكراهات لازالت تحد من الجهود والمبادرات الرامية إلى تعزيز مكانتها في الترسانة التشريعية، والبرامج والسياسات العمومية، فهي لا تزال تعاني من ظروف الفقر والبطالة والتغطية الصحية بنسبة أكبر من الرجل.
وأنه على الرغم من المؤهلات المتاحة على المستوى القانوني والتعليمي، ورغم ما تم إنجازه على مستوى تعزيز مكانة المرأة، وحماية حقوقها من مكاسب، تظل هناك إكراهات تتعلق بالاختلالات الناجمة عن جائحة كوفيد19, وأثرها المباشر على النساء بفعل ازدياد نسب العنف ضدهن، وتقلص قرص التشغيل وضعف مردودية التعليم عن بعد، و تبين الأرقام الرسمية أنه رغم الجهود المبذولة، لا تزال 51.3 في المائة من الفتيات والنساء من ذوي 25 سنة فما فوق، لا يتوفرون على أي مستوى دراسي، و57.1٪ المائة ِمن َمن لهن 15 سنه فما فوق، بدون أية شهادة تعليمية، كما أن أكثر من 50٪من ضحايا العنف هم نساء بمن فيهم قاصرات.
و ارتباطا بذلك يمكن القول على أن فحص وثائق المنهاج الدراسي، يبين محدودية الجانب المرتبط بالثقافة التربوية، وبالخطاب البيداغوجي الحامل لمقاربة النوع الاجتماعي، فقد انصرفت الجهود أكثر للجوانب المادية المرتبطة بتوفير البنيات ، والتجهيزات، ولم نستطع إلى الآن تضمين الخطاب التربوي الرسمي ، والمناهج ، والكتب المدرسي، الأدوار الجديدة للمرأة، والعلاقات بين الجنسين التي تتلاءم مع منظور مقاربة النوع بحمولتها الحقوقية، يضاف إلى ذلك وجود نقص في الأدوات الكفيلة بتتبع الأثر على مستوى بناء السلوك، وتقيیم مؤشرات الإنجازية، ويفسر كل ذلك، وجود تباطؤ في تغيير التمثلات السلبية، والصور النمطية اتجاه المرآة، نتيجة محدودية التمكين الاجتماعي للنساء الذى يلعب فيه التعليم دورا محوريا.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط لم ينعكس الارتفاع الملاحظ في معدلات تمدرس الفتيات المسجل حاليا في المغرب على مستوى التشغيل، الذى سجل تراجعا في ما يخص اندماج المرأة في سوق الشغل، كما أن عدد المقاولات التي تديرها النساء ينحصر في حدود 10٪ من مجموع المقاولات، وأن نسبة النساء التي تحتل مركز القرار في المقاولات الخاصة التي تعمل في مجال التجارة والصناعة والخدمات لا يتعدى 0.1٪ ، وأن تمثيلية النساء في هيئات الحكامة داخل المقاولات، لا يمثل سوى 7 % فقط من نسبة مديري أكبر المقاولات العمومية، حسب ما أكده تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
كما كشف التقرير أيضا مدى هشاشة الغالبية العظمى من مناصب الشغل في البلاد، حيث أن 62.3 ٪ من النساء لا يتوفرون على عقدة عمل، تنظم علاقاتهم مع مشغليهم.
وعلى المستوى السياسي فإن التمثيلية السياسية للنساء، ومعدلات تعيين النساء في المناصب العليا، لا تزال دون المستوى المطلوب، ولا تنسجم مع المواقع التي تحتلها المرأة في مختلف المجالات، وأن تكريس مبدإ المناصفة في إطار دستور 2011، لازال لم يحقق بعد الأهداف المنشودة.
وعطفا على ذلك فان احتفالنا اليوم، ينبغي ألا يكون مجرد لقاء لتبادل الخطب والكلمات والتذكير ببعض الانجازات والمكتسبات، والنواقص والاختلالات، بل إن الواجب يفرض علينا أن نجعل من هذا اليوم، وقفة للمساهمة في تصحيح جوانب الخلل والنقص لتحقيق الأهداف التي نحن سائرون نحو بلوغها.
إن إيماننا بهذا الواجب ينبع من أصولنا التاريخية الإسلامية، والوطنية، حيث سجلت المرآة المغربية، أروع الصفحات الفكرية والثقافية والفقهية والسياسية، وينبع أيضا من قناعتنا الراسخة، بأن أي مجتمع لا تتمتع فيه المرأة بحقوقها كاملة، مدنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في مساواة مع الرجل، يكون مجتمعا مصابا بالشلل فاقدا لنصف قدراته وطاقاته، وبالتالي عاجزا عن تطوره ونمائه.
إن نجاح كل مشروع للتنمية، يمر عبر الاعتراف بدور المرأة ومواطنتها الكاملة، ومحاربة جميع أشكال التمييز، الذي يتعرض لها النساء، وتحرير طاقتهن الإبداعية ومواجهة هيمنة الفكر الذكوري الذي يرفض الانفتاح والتجديد، والمضي قدما في تجويد الترسانة التشريعية، وإيلاء الاعتبار للمرأة وتحسين مكانتها في المجتمع والدولة معا.
وعلى الهيئات السياسية والمدنية، ومختلف الفاعلين مسايرة التغير المجتمعي الذي طرأ على المشهد السياسي والحقوقي، الوطني والدولي، فإدماج المرأة في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يرتبط فقط بفتح باب مشاركتها، وولوجها إلى البرلمان والمجالس المتينة بقدر ما يرتبط بتمكينها الفعلي من اتخاذ القرارات الحيوية داخل الدولة وفي كل المجالات.
ومن المؤكد أن المعركة من أجل انصاف نساء المغرب، معركة مواصلة، لأنها معركة فكر وممارسة ثقافية واجتماعية وتشريعية، من أجل تجسيد فعلى لالتزامات بلادنا الوطنية والدولية، وبما يضمن تفعيل مقتضيات الدستور ومضامين المواثيق والتصريحات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب.
حضرات السيدات والسادة؛
من هذا المنطلق، يتعين جعل التربية على النهوض بالمساواة، ومحاربة كل أشكال التمييز، خيارا استراتيجيا لا محيد عنه، يتم تصريفه على كافة المستويات، ضمن خارطة طريق الاصلاح التعليمي، وإحدى غاياته المثلى.
وضمن هذا المنحنى يجب تعزيز وتقوية البرامج الموجهة للنساء، وبالخصوص في ميادين محاربة الأمية، وتمدرس الفتيات ومساعدة النساء وخاصة في المناطق النائية والقروية والشبه الحضرية، ورد الاعتبار لصورة المرأة في المجتمع، من خلال التربية والتعليم بتوظيف المناهج التعليمية لخدمة القضايا النسائية كما هو منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية وتطوير العقليات، وتقوية الشروط المناسبة للوصول الى مراتب علمية، تليق بمكانتها في المجتمع، ضمانا لحق المساواة والإنصاف، وكذا الحرص على إجراء قطيعة مع كل مظاهر التعصب والتطرف والانغلاق، مهما كانت مرجعيتها المذهبية ، ودوافعها الاجتماعية، سواء أكان ذلك في بلادنا، أو خارجها، كما جاء في العديد من الرسائل والخطب الملكية.
حضرات السيدات والسادة؛
إن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إذ يخلد هذه المناسبة ليعتز بما أنجز لفائدة نساء المغرب، بإرادة ملكية سامية وواضحة، متجاوبة مع مطامح وتطلعات بلادنا، من أجل مغرب حداثي، ديمقراطي، معتز بهويته الوطنية المتعددة والمنفتح على كل القيم الإنسانية النبيلة.
وهو موعد سنوي، تقف فیہ دول العالم لتقييم كل المنجزات المحققة، والوقوف عند مختلف التحديات المطروحة، أمام إرساء شامل لمبدإ المساواة بين الجنسين في جميع الميادين والمستويات.
وقد آرتأينا بهذه المناسبة، تنظيم لقاء دراسي، للاحتفاء بهذه اللحظة التي نريدها، أن تكون لحظة نوعية لتكريم المرأة المغربية، والتفكير في أنجع السبل لتقوية مكانتها وأدوارها، والرفع من وتيرة اندماجها الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي والسياسي.
واسمحوا لي ونحن نحتفي بهذا اليوم أن أتوجه باسمكم جميعا بتحية خاصة، وخالصة، للأستاذة رحمة بورقية مديرة الهيئة الوطنية للتقييم سابقا، والتي لم تأل جهداً في التدبير والإنجاز، والاستباق والاستشراف في إعداد وتنفيذ البرامج التي أقرتها الهيئة الوطنية للتقييم، الى جانب صفوة من الأطر والكفاءات النسائية، التي أسهمت بعطاء كبير في إصلاح المنظومة التربوية ، والرفع من جودتها من خلال الدراسات والتقارير التقييمية العلمية، والاستشرافية الوازنة، لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
فكل الشكر والتقدير للأستاذة المميزة رحمة بورقية، ولكافة نساء وأطر المجلس، كما أود أيضا أن أوجه شكرا خاصا للسيدة الأستاذة المحترمة أمينة المريني الوهابي، والصديق العزيز صلاح الوديع وكافة الطاقم المنظم، وإلى كافة المشاركات والمشاركين في هذا اللقاء التواصلي والذين قبلوا المساهمة معنا بآرائهم ووجهات نظرهم، في تسليط الضوء على موضوع لازال يحتاج الى تشريع عقلاني، وإصلاحات جريئة، تمكن بلادنا من تعزيز مكانة النساء ومأسسة مقاربة النوع الاجتماعي في مختلف البرامج ومخططات العمل، بعيداً عن الوصايات الثقافية، والمزايدات السياسية التي لا فائدة منها.
وضمن نفس الروح والعطاء والتقييم الموضوعي المستقل، علينا مضاعفة الجهود والمزيد من الالتزام في العمل والانتاج، والحرص الشديد على الرفع من الجودة والوفاء بالمواعد والآجال، بهدف تحقيق القيمة المضافة المنتظرة من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
ولا شك أن بلادنا بمؤسساتها ورجالها ونسائها، إذ تحتفي بهذا اليوم العالمي للمرأة، كما في دول المعمور، فإنها تعتبر قضايا النساء في قلب مشاريع الإصلاح التشريعي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وفقاً للتوجهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ومتعه بالصحة والعافية.
فهنيئا لنا جميعا بحلول هذا العيد الخالد، ونتمنى للجميع التوفيق والنجاح. وتحقيق المزيد من المكتسبات والحقوق، في ظل مجتمع متكافئ ومتكامل، يضمن المواطنة الكاملة، حقوقا وواجبات لنسائه ورجاله على قدم المساواة.
والسلام عليكم، ورحمة الله تعالى وبركاته