بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيدات والسادة أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي،
يطيب لي أن أعطي انطلاقة الدورة الثالثة للمجلس، وأن ألتقي بكم مجددا في هذه الجمعية العامة، ونحن نستحضر جميعا المبادرات الملكية الحكيمة، سواء تعلق الأمر بإعمار المناطق المنكوبة من جراء الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لإعادة الإعمار ولضمان استمرارية الدراسة، أو إعادة النظر في مدونة الأسرة؛ عبر إشراك كل المؤسسات والهيئات المعنية، دون إغفال تجاوب المنظمات الرياضية الإقليمية أو الدولية مع رغبة بلادنا في تنظيم كأس أفريقيا سنة 2025 ، أو المساهمة في تنظيم كأس العالم سنة 2030، إلى غيرها من المبادرات والمواقف، التي عززت صورة المغرب داخل المنتظم الدولي، كبلد يحظى بالاحترام والتقدير .
ولا ننسى في خضم هذه المواقف – وانطلاقا من موقفنا المبدئي الداعم للشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل نيل حقوقه – ، أن نجدد التضامن مع نضالاته ، وندعو المجتمع الدولي، للعمل الجاد من أجل وقف المجازر الدموية التي تقترف في حقه، وتمكينه من حقوقه المغتصبة، وعلى رأسها قيام دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
حضرات السيدات والسادة
إن وقفة تقييمية لحصيلة عملنا في هذه الولاية، تتيح الجزم بأنها حصيلة إيجابية بالتأكيد. وتعد الآراء التي أصدرها المجلس، فضلا عن استراتيجية المجلس 2023 – 2027، والتقارير الموضوعاتية واللقاءات العلمية، أهم المكاسب المحققة في هذا الشأن.
كما ساهمنا جميعا في تحقيق السير العادي والسلس للمجلس بطريقة ناجعة وفعالة، وكذا استثمار الإمكان الوازن الذي تتيحه هيئات الإنتاج والتحليل والتفكير، وهيئات تنسيق أنشطة المجلس وهيئات التداول والتقرير ، مما مكننا من نسج التفاعل المثمر بين هذه الهيئات ، من جهة ؛ وبين المجلس وجملة من الفرقاء والمؤسسات الوطنية والدولية، من ناحية أخرى.
وعبر هذا التمرين الديمقراطي بامتياز ، الذي تم أيضا بفضل التعاون المسؤول لأعضاء الحكومة ذوي العلاقة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، الذين دشنا معهم خلال هذه السنة دينامية للتعاون الجدي والواعد، فقد أولينا هذه العلاقة ما تستلزمه من تطوير مستمر . وهي فرصة لأخبركم بأن منظومة متكاملة من المعطيات والإحصائيات الدقيقة والمحينة، التي اشتغل على تصنيفها ومعالجتها ورسمها بيانيا فريقنا المعلوماتي والتقني، ستكون رهن إشارتكم، مما سيتيح لكم الولوج السلس للمعلومات التي لا غنى عنها في أي اشتغال ينصب على المنظومة التربوية.
وإلى جانب هذه البداية المشجعة والملموسة، أود التركيز على مكتسبات أخرى ذات طبيعة مختلفة:
– أولا، أنه حصل لدينا اقتناع راسخ مشترك، بأننا بصدد خدمة قضية وطنية عليا، وازنة ومصيرية؛ تقتضيها المصلحة العليا لبلادنا على المستوى السياسي والتنموي والحضاري؛ وذلك في اتجاه الاشتغال لأجل هدف أوحد: مصلحة الوطن والمتعلمين(ات).
ولنا اليقين، بأنه وبفضل هذه المكتسبات المنهجية، وتملك الأهداف التي سطرنا في استراتيجية المجلس، يمكننا الذهاب بعيدا في الاتجاه الصحيح.
ثانيا، أننا كنا على صواب حين اعتمدنا منهجية التشارك، وأمعنا الإنصات لبعضنا؛ خبراء وفاعلين ومهنيين وأطرا ونقابيين وجمعويين، وبنينا استراتيجية عملنا من الداخل، إيمانا بالمسؤولية تجاه المجلس وانتظاراته، والمهام التي تؤطر فعله ، والقيم التي تنسج ثقافته؛ مما يسهم في إبراز تعدديتنا الخلاقة وتملكنا المشترك للأهداف الكبرى.
ثالثا، أننا تمكنا من إرساء سياسة تواصلية تغطي مختلف المهام والأنشطة وتعزز صورة المجلس لدى وسائل الإعلام، والفاعلين والرأي العام بصفة إجمالية، وذلك بفضل عمل تشاركي ومتزن، سمح لنا بالتواصل على نحو منظم.
وبجانب هذه المكتسبات، نرى أنه من اللازم أيضا تثمين نسب الحضور في اجتماعات الجمعية العامة للمجلس، والهيئات المنبثقة عنها من مكتب ولجان ومجموعات خاصة، حيث بلغت نسبة المواظبة والمشاركة المنتظمة داخل اجتماعات اللجان 80 في المائة، وهي دلالة تعكس الإسهام الجماعي واستثمار التنوع والتكامل المطلوب بين أعضاء المجلس.
حضرات السيدات والسادة
ما فتئنا نذكر منذ بداية هذه الولاية، على ضرورة إعداد ميثاق قيم؛ يرسخ قيمنا المشتركة التي تعزز اشتغالنا الجماعي، ويرسخ التزاماتنا الفردية والجماعية، وثقافة المواطنة، والنزاهة والروح الديمقراطية، ونهج سلوك دائم الجدية والمصداقية. ويسعدني أن أستلهم الكلمات العميقة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطابه الأخير، بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء حين قال: ” وعندما تكلمت عن الجدية، فذلك ليس عتابا؛ وإنما هو تشجيع على مواصلة العمل، لاستكمال المشاريع والإصلاحات، ورفع التحديات التي تواجه البلاد”.
وإذا كان من السمات المميزة لمجلسنا أنه فضاء للحوار وتبادل الآراء وإعمال الذكاء الجماعي، فإننا مدعوون لتطوير عملنا وتفعيل استراتيجيتنا، وفق عدد من القواعد القيمية والمنهجية، وجعل المجلس نموذجا للاجتهاد الجماعي المبادر والمبتكر، ومثالا للديمقراطية التشاركية والحكامة، التي هي جزء من مؤسساتنا الدستورية.
حضرات السيدات والسادة
تأسيسا على ما سبق، وفي اتجاه استخلاص العبر والدروس، فإننا مدعوون للانتقال إلى وتيرة أسرع، من أجل مواصلة العمل والمزيد من الانخراط القوي والحرص الشديد على الرفع من الجودة في العمل والإنتاج، والوفاء بالمواعيد والآجال؛ غاية في إعمال الأوراش التي أطلقناها في استراتيجية المجلس، والعودة إلى القضايا التي لم تنل الحظ الكافي من الدراسة وتعميق التفكير ، إما تحت ضغط الزمن، أو للحاجة إلى المزيد من التريث.
ذلكم هو مسعى خطة عمل المجلس 2024 – 2027 التي ستنكب الجمعية العامة على تدارسها وإغنائها والمصادقة عليها.
وهنا يجدر التنويه بالوتيرة التي وسمت سيرورة إنجاز خطة عمل المجلس، والإضافات النوعية التي قدمها أعضاء المكتب، من أجل التضمين الشامل للمشاريع والاختيارات الأساسية، في غايات تتلاءم مع محددات استراتيجية المجلس، وتؤمن التطبيق المستدام للأهداف التي حددتها في المدى الزمني لهذه الولاية.
وإن هذه المشاريع وغيرها، المندرجة ضمن خطة عمل المجلس، تستلزم وفق مقتضيات التدبير المالي والمحاسباتي نهج برمجة مالية سنوية؛ مما يجعلنا مدعوين للتداول في مشروع ميزانية المجلس برسم سنة 2024 واعتمادها، خلال أشغال هذه الدورة.
حضرات السيدات والسادة
في ارتباط مع ما سبق، نحن مدعوون اليوم، كذلك، إلى المصادقة على إحداث مجموعة عمل خاصة للإشراف على إعداد وثيقة حول ” المدرسة الجديدة”، هذا المفهوم الذي كان له حضور لافت في مختلف محطات التفكير الجماعي داخل هيئاتنا التداولية، وبرز بشكل وازن أيضا في مضامين الأهداف الكبرى التي حددتها استراتيجية المجلس، كما شكل خيطا ناظما لمضامين الآراء الأخيرة التي أصدرها المجلس. وثقتنا وأملنا كبير، في أن تشكل مخرجات هذه اللجنة، خارطة طريق مفصلة لإرساء فهم موحد للمدرسة الجديدة؛ وفق رؤية تراعي الطموح وتستحضر الواقع، باعتبار أن من ضمانات تحقيق ذلك التوفر على رؤية واضحة، وفهم مشترك ومتقاسم لمقومات مدرسة المستقبل؛ على جميع المستويات (الغايات ، الحكامة ، النموذج البيداغوجي ، إلخ).
حضرات السيدات والسادة
إجمالا، ونحن في غمرة هذا المسار، فإننا ندرك جيدا أنه ينتظر منا الكثير، من تضافر الجهود ارتباطا بتحقيق أهداف الإصلاح، خصوصا أن سيرورة تفعيل الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، تتسم أحيانا بالكثير من البطء.
وإن كان يجدر بنا التذكير بالوتيرة التي يتسم بها انخراط القطاعات الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل تضمين مبادئ الرؤية وتوجهاتها في مقتضيات قانونية تتلاءم مع محددات وطبيعة القانون الإطار. وإذا كانت الحكومة ، قد شرعت في الاجتهاد لتطوير وتعميق بعض الجوانب، فإنها مدعوة – أكثر من أي وقت مضى – للحفاظ على روح الإصلاح، في إطار إنفاد هاتين الركيزتين ( الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار ) ، وأوراش تفعيل رافعات التغيير، وتأمين التطبيق المستدام للأهداف التي حددتها هذه الرؤية في المدى الزمني المعقول، في منأى عن كل التقلبات السياسية؛ استجابة لدعوة صاحب الجلالة حفظه الله، حين قال ” ولضمان النجاح للمنظور الاستراتيجي للإصلاح ، فإنه يجب على الجميع تملكه، والانخراط الجاد في تنفيذه “، ولنتمكن جميعا من الاسترجاع التدريجي لثقة المجتمع في إمكانية إنجاح الإصلاح التربوي.
وفي الإطار ذاته ، فإن المنظومة التربوية وإن كانت قد حققت تقدما في مجال الولوج وإنصاف النوع، فإنها -مثلا- لا تزال متأخرة في محاربة الانقطاع الدراسي، والذي يشكل تحديا حقيقيا لمنظومتنا التربوية، إذ بلغت نسبة عدد المنقطعين عن الدراسة برسم الموسم الدراسي 2022 – 2023، 5%، أي أكثر من الموسم الدراسي 2021 – 2022، الذي بلغت فيه نسبة عدد المنقطعين 3.4 %، علما أن استراتيجية الوزارة، تروم تقليص عدد المنقطعين بالثلث في أفق 2026.
وأيضا وجب التسريع بإخراج النصوص القانونية المتعلقة بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وكذلك بقطاع الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، في انسجام تام مع الإصلاح الشامل المنشود والمنبثق عن الرؤية الاستراتيجية،
وحيث أن منطلق كل تحول دال هو الرفع من جودة عمل الفاعلات والفاعلين التربويين ، فيمكن القول أن نظام التكوين الحالي يعاني من مجموعة من النواقص الأساسية، والتي تحد من جودة نظامنا وهو الأمر الذي يقتضي بلورة نظام جديد للتكوين الأساس والتكوين المستمر في منظور متجدد للمهننة والمعرفة معا ،وفي السياق ذاته أكدت النتائج الأخيرة للبرنامج الدولي لتقييم التلاميذ PISA، الذي تشرف عليه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ، على أن التلاميذ المغاربة بالمدارس العمومية قد حصلوا على نتائج أقل من المعدل المسجل بالدول المنتسبة لهذه المنظمة في مجالات الرياضيات والعلوم والقراءة ،مما يدعونا جميعا إلى معالجة هذا الوضع المقلق وتعزيز جهودنا للنهوض بمدرستنا المغربية والارتقاء بأدائها .
حضرات السيدات والسادة
في ارتباط مع الأحداث والمستجدات التربوية التي شهدتها المملكة، وما رافقها من توتر؛ وانطلاقا من المهام الموكولة للمجلس، فقد خصص المجلس عدة اجتماعات لتقاسم التشخيص مع خبرائه، ومختلف الفئات الممثلة داخله، وعبر مكتبه ولجانه، حول رؤية المجلس لهذه المستجدات، والتداول في شأنها وتأثيرها على الأهداف الكبرى للإصلاح، على المدى القريب والبعيد.
واسمحوا لي في هذا السياق، أن أثمن إعلاء ثقافة الحوار بين كافة الفاعلين ومختلف مكونات المنظومة التعليمية. ومن المؤكد أن استحضار المصلحة الفضلى للمتعلمين /ات، وتحسين ظروف عمل نساء ورجال التعليم وضمان حقوقهم، وتدقيق معايير توظيفهم وتكوينهم وترسيخ الالتزام بواجباتهم المهنية، عناصر أساسية في الارتقاء بمقومات جودة مؤسسات التربية والتكوين، وتحقيق الارتقاء الفردي والمجتمعي.
والأمل الذي يحدونا جميعا، هو تدارك النقص المهول على مستوى الزمن المدرسي؛ باعتباره الركيزة الأساسية للعملية التربوية برمتها. وبالتالي، وجب حسن تدبيره واستغلاله بشكل هادف ومعقلن، تجنبا لمزيد من الضياع والهدر، وحتى يستفيد المتعلمون / ( ات ) من مختلف الأنشطة
التربوية والمهارية، وكل ما يرتبط بالفضاء التربوي والعملية التعليمية التعلمية. وندعو في المجلس جميع أطراف العملية التربوية لتحمل المسؤولية، وتدارك النقص المسجل، بجدولة زمنية محددة، وإطلاع أمهات وآباء وأولياء التلاميذ على مضامينها، والسهر على تطبيقها، وجعل المصلحة الفضلى للمتعلم فوق كل اعتبار.
حضرات السيدات والسادة
إن اتفاقيات الشراكة والتعاون التي نوقع عليها اليوم، مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ممثلا برئيسته السيدة آمنة بوعياش، وجمعية جهات المغرب، ممثلة برئيستها السيدة امباركة بوعيدة، واليونسكو- ممثلا بالسيد Eric Falt، وكذا الاتفاقية التي وقعناها الأسبوع الماضي مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ممثلا بالسيد شكيب العلج، تندرج كلها ضمن تفعيل الهدفين الثالث والخامس من استراتيجية مجلسنا؛ على أساس إضفاء المزيد من الفعالية على الشراكة المؤسساتية القائمة مع الهيئات الوطنية والدولية، في الميادين ذات الصلة بالتربية.
ولا يفوتني في الأخير أن أرحب باسمكم جميعا بالأعضاء الجدد الذين التحقوا مؤخرا بالمجلس كممثلين عن فئة التلاميذ.
وختاما، يهمني أن أؤكد أنه بقدر ما كانت انطلاقتنا صائبة، بقدر ما يجب أن يشعرنا ذلك بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقنا، لأننا ما زلنا في بداية طريق طويل ورهانات كبرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته