بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد وزير العدل،
السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية،
السيد رئيس النيابة العامة،
السيد رئيس المجلس العلمي الأعلى،
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،
السيدة الوزيرة المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
يتقدمُ المجلسُ الأعلى للتربية والتكوين والبحثِ العلمي بهذه المذكرة، استجابةً للدعوةِ الكريمة، للهيئةِ المكلفة بمراجعة مدونةِ الأسرة، وإعمالاً للمهامِّ التي يضطلعُ بها المجلس، بوصفهِ هيئةً دستوريةً استشارية، وقوةً اقتراحية؛ مُهِمَّتها إبداءُ الرأيِ والتقييمِ بشأن السياسات العمومية والقضايا الوطنية، التي تهمُّ ميادينَ التربية والتكوين والبحث العلمي؛ بما يضمنُ تمتع كلَّ الأطفالِ بحقهم في التمدرُسِ ِوفقَ أحسن الظروف، وفي تعليمٍ جيدٍ يساهمُ في ارتقائهم كأفراد، ويجعلُ من التربية، أداةً وانعكاسا للارتقاءِ المجتمعيِّ.
وتحظى حمايةُ الطفولةِ والنهوض بالأدوار التربوية للأسرة، بالعناية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله؛ الذي أكد في عدة مناسبات، حرصه على إنجاح الإصلاح التربوي عموما، والنهوض خصوصا بأوضاع الطفولة في ارتباطها بالتعليم المبكر، لما له من انعكاسات إيجابية على الفرد والأسرة والمجتمع …، دون إغفال الدور المركزي والحاسم للأسرة في التربية المبكرة للأطفال، ومتابعة مسارهم الدراسي وتقويمه…”.
كما ركز جلالته باستمرار على الأهمية القصوى التي يتعين إيلاؤها” لإدماج كافة الأطفال، بمختلف شرائحهم وفئاتهم في فضاء المدرسة، انطلاقا من مبدأ تكافئ الفرص، والعدالة الاجتماعية والمجالية…ولفائدة الفتاة بالبوادي والقرى والأرياف، والأطفال في وضعية هشة، أو الذين هم في وضعيات خاصة“.
وتعتبر الأسرة النواة الدستورية والأساسية للمجتمع المغربي، وقد خصها المشرع الدستوري بمهمة التنشئة الاجتماعية في المراحل العمرية الأولى للأطفال. وهي، حسب الميثاق الوطني للتربية والتكوين “المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر إلى حد بعيد في تنشئة الأطفال وإعدادهم للتمدرس الناجح، كما تؤثر في سيرورتهم الدراسية والمهنية بعد ذلك”.
وجدير بالذكر، أن هذا الارتباط بين الأسرة والمنظومة التربوية هو ارتباط عضوي، فهي شريك أساسي من أجل تحقيق مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء حسب ما ورد في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، وهي، حسب الفصل 32 من الدستور، تتقاسم مع الدولة مسؤولية تمدرس أبنائها واستدامة تعلمهم.
حضرات السيدات والسادة:
لا شك أن جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية تخلق فوارق في طريقة تفاعل الأسر مع النظام التعليمي. فالأسر الأقل استقرارا، تكون أقل مشاركة في تعليم أطفالها. وهو ما يعرض أطفالها لوضع نفسي واجتماعي هش اتجاه التعليم. وبالتالي، فإن دور الأسر أساسي في ضمان استمرارية تعليم أبنائها واختياراتهم، وطموحاتهم.
إننا في المجلس، كثيرا ما أثبتنا هذا الترابط، من خلال بيانات ملموسة، ومن خلال التأكيد على أن أي تحسن في الظروف الأسرية له تأثير إيجابي على تربية وتعليم الأطفال، والعكس صحيح. وتشير هذه النتيجة ضمنا إلى أن مدونة الأسرة أكبر من وثيقة معيارية تنظم العلاقات الأسرية، وإنما هي تحد حقيقي يجب أن يستجيب لتحديات التنمية، التي تتطلب سلوكا وبيئة تربوية ملائمة داخل الأسرة، كما داخل المدرسة والحياة العملية.
وقد توافقنا على مستوى الرؤية الاستراتيجية للمجلس، على أن تحسين جودة العلاقة التربوية يعتمد إلى حد كبير على توثيق العلاقة مع الأسر، باعتبارها المصدر الأقرب لمعرفة حياة المتعلمين(ات) خارج المؤسسة التعليمية، وأثرها على مواظبتهم وانخراطهم، وتحسيس الأسر بدورها في تكميل عمل المدرسة والارتقاء بالعلاقة التربوية داخلها.
وتأسيسا على ذلك، يرى المجلس أن مراجعة مدونة الأسرة، بعد 20 سنة من صدورها، فرصة سانحة للنظر في مجموعة من مقتضياتها ذات العلاقة بالطفل، بين وضعه داخل الأسرة وحقه في التمدرس واستمرارية التمتع بهذا الحق؛ من زاوية المرجعيات التي يتبناها المجلس من خلال رؤيته الاستراتيجية، والعديد من دراساته وآرائه وتقييماته.
حضرات السيدات والسادة:
يتشرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بعرض هذه المذكرة على أنظاركم، متضمنة مجمل انشغالاته وتوصياته، ومعبرة عن الأطر المرجعية التي تحكم اشتغاله.
واستنادا على المبادئ التي تؤطرنا في هذا الموضوع، وتجسِّد الفهم المشترك والقناعات المتقاسمة بيننا، وانطلاقا من الإشكالات والمعيقات المرتبطة بحماية حقوق الطفل على مستوى التربية والتمدرس، في علاقتها بمدونة الأسرة(الحق في النسب؛ الحضانة، النفقة، النيابة الشرعية، تزويج الأطفال، التعصيب، والعنف الأسري..). فإننا نتغيّى الإسهام والإغناء والتعاون، لأجل الوصول إلى تشريع أسري يقوي ضمانات تمتع جميع الأطفال بحقوقهم المرتبطة بالتربية والتكوين.
لقد خلصنا في مذكرتنا المرفوعة، على أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف الفاعلين، تبقى المقاربة القانونية الصرفة لمدونة الأسرة، غير كافية لضمان الحقوق التربوية للطفل. لما أبانت عنه التجربة من عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها.
وعليه، فإن تطبيق مدونة الأسرة يحتاج إلى مواكبة حثيثة، تقتضي إرساء آليات جديدة وتعزيز المبادرات الداعمة لقضايا الأسرة، بالشكل الذي يراعي الإكراهات، ويسهم في تكريس الوضعيات القانونية لمكونات الأسرة، وفق رؤية شمولية ومقاربة متعددة الأبعاد.
وفي هذا الصدد، ومن زاوية اشتغال المجلس في الشأن التربوي، يقترح المجلس الآتي:
1- جعل ورش إصلاح مدونة الاسرة متفاعلا مع الإصلاح الجوهري لمنظومة التربية والتكوين، ضمن ديناميكية العلاقة بين المدخل التربوي والقانوني، غاية في ترسيخ ثقافة المساواة في الكرامة والحقوق بين الجنسين؛
2- جعل مبادئ” حقوق الأطفال”(كعدم التمييز والمصلحة الفضلى والحق في الهوية) رافعات عرضانية واستراتيجية في كافة السياسات العمومية، مع مأسسة قضايا الأطفال، من خلال تطوير حلول تضمن حماية المصلحة الفضلى لهم؛
3- تفعيل وإنفاد السياسات المرتبطة بالأسرة في إطار الجهوية المتقدمة، بما يتوافق مع خصوصيات كل جهة ورهاناتها، والاحتياجات الخاصة بكل منطقة؛
4-تطوير سياسات أسرية شاملة ومندمجة ومتكاملة؛ تأخذ بعين الاعتبار التعليم والشغل والخدمات الصحية، والتي تكمل بذلك السياسات القطاعية القائمة، وتهدف إلى الاستجابة لحاجيات الطفل وأفراد الأسرة في إطار التنسيق الفعال بين جميع الأطراف المعنية.
ختاما، نجدد لكم الشكر على الدعوة الكريمة، وليس لنا أدنى شك في أن مجهودكم سيكون مثمرا وبناء، ومعبرا عن تطلعات صاحب الجلالة وكافة فئات المجتمع.
أتمنى لأشغالكم كامل التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.
واسمحوا لي أن أمنح الكلمة للسادة أعضاء اللجنة (الذين انتدبناهم لهذا الموضوع:
- السيدة أمينة الوهابي؛
- السيدة عائشة الحجامي؛
- السيد صلاح الوديع؛
- السيد فؤاد شفيقي،
لتقديم ملخص عن انشغالات وتوصيات المجلس المرتبطة بمدونة الأسرة، علاقة بحقوق الطفل على مستوى التربية والتمدرس.