بسم الله الرحمان الرحيم؛ والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
– السادة الأساتذة والخبراء؛
– السادة أعضاء المجلس؛
– السادة أطر المجلس؛
السيدات والسادة الحضور.
يطيب لي أن أرحب بكم جميعا، في هذا اللقاء الافتتاحي للبرنامج العلمي الذي ينظمه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تحت شعار ” إرساء المدرسة الجديدة: مسؤولية مشتركة”. والذي يتمحور موضوعه الأول حول ” حكامة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي”. وذلك بمناسبة مشاركة المجلس في نسخة 2024 للمعرض الدولي للنشر والكتاب.
هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية خاصة، لما نطمح إليه من تحول دال للمنظومة التربوية في بلادنا، اتجاه إرساء مدرسة جديدة حاملة لمشروع الارتقاء بالفرد والمجتمع، والمنخرطة في اقتصاد ومجتمع المعرفة.
وإن حضوركم بيننا، ومشاركتكم القيمة في أشغال البرنامج العلمي، يؤكد على الاهتمام المتواصل الذي تولونه بصفة خاصة لكل المواضيع المتعلقة بدعم المدرسة المغربية، وتطوير أدائها.
وأود كذلك اغتنام هذه المناسبة، لأوجه تحية شكر وتقدير لضيوفنا الكرام، من مؤسسات دستورية ومفكرين وباحثين، على تلبية دعوتنا للمشاركة في هذا البرنامج العلمي الذي سيمكن من تسليط الضوء على جوانب متعددة من منظومتنا التربوية.
حضرات السيدات والسادة؛
إن إدراك الأهمية الاستراتيجية لقضايا التربية والتكوين، جعل بلادنا، وبعد محاولات متعددة، تنخرط في طريق إصلاح عميق وشامل وطموح، يرمي إلى التصدي لمختلف الاختلالات والإشكالات، التي ظلت تعاني منها المنظومة الوطنية للتربية والتكوين.
وعلينا اليوم ونحن في زمن التفعيل وأسئلة التطبيق، عدم التسرع في إصدار الأحكام الجاهزة، حول إصلاح لا نلمس آثاره الفعلية إلا على المدى المتوسط والبعيد، ولكن في نفس الوقت علينا تحمل المسؤولية المشتركة في الالتزام بما يتعين القيام به من اقتراحات بناءة، وتقييم موضوعي ، ومواكبة يقظة للسياسة العمومية التربوية، والحرص على حكامة ناجعة من أجل ربح الرهانات التي تضعها بلادنا على هذا الإصلاح المصيري.
ومن دون شك، فإن إصدار الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030، والقانون الإطار يشكلان أساسا ومنطلقا للدفع بإصلاح المدرسة المغربية، خصوصا فيما يتعلق بالارتقاء بجودة التعليم في جميع المستويات وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص في هذا المجال، وإتقان اللغات الأجنبية، وتشجيع البحث العلمي، وإصلاح نظام التكوين الأساس، وتعبئة الموارد اللازمة وضمان جودة تدبيرها، بما يساهم في تأهيل الرأسمال البشري الوطني وتسهيل اندماج الأجيال الحاضرة والقادمة، في دينامية التنمية التي تعرفها بلادنا، مما يقتضي التمسك بالمكاسب، واعتماد منهجية تنتصر لقيم الحوار والتكامل والتنسيق، مع مجموع المكونات والمؤسسات ذات الصلة، في مجموع القضايا الوطنية المرتبطة بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ، عملا بتوجيهات صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله .
حضرات السيدات والسادة؛
تأسيسا على ذلك ، فإن منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، معنية أكثر من باقي القطاعات بتملك التكنولوجيات الرقمية، في جميع مكوناتها ومستوياتها، وفق توجهات الرؤية الاستراتيجية التي دعت من جهة، إلى تمكين التلاميذ والطلبة من استعمال الأدوات الرقمية منذ المستوى الابتدائي، واعتبرت من جهة أخرى أن إرساء نظام معلوماتي مؤسساتي لقيادة المنظومة التربوية وتقييمها وضمان جودتها يعد إحدى الدعامات الرئيسية لاستهداف حكامة ناجعة للمنظومة التربوية. ومن تم، جعل الإدارة الرقمية في صلب سيرورة الحكامة التربوية والترابية، غاية في تحقيق تدبير ناجع ومنفتح، ومواكبة التغيير والانخراط فيه.
كما يقتضي البعد الترابي في حكامة المنظومة التربوية الانطلاق من مشروع المؤسسة، الذي يستند لمنطق العمل التشاركي بين مختلف الأطراف والشركاء، بدءا بالحاجيات الحقيقية التي يتم تحديدها محليا وميدانيا، على أساس أن يندرج ذلك ضمن المجهود الوطني، الرامي إلى الانتقال من التدبير العمودي إلى التدبير الترابي الأفقي القائم على الجهوية المتقدمة، بمنهجية مندمجة ومتدرجة، مع إرساء دعائمها بالقوانين اللازمة، وتوفير الاعتمادات المالية الضرورية والبنيات التحتية والدعائم البيداغوجية والبحث الرقمي في مجال التربية، واعتماد التقييم المنتظم لمعرفة مدى تأثير ذلك على جودة التعليم والتكوين.
والواقع أن زحمة العمل اليومي الضاغط، لصالح الشؤون الجارية والحلول السريعة، ومحدودية الآليات المستعملة في تحصين مشاريع الإصلاح من كل أشكال المقاومة والانتقائية والتعثر، وكذا تضخم بنية الفاعلين التربويين وصعوبة تدبير مسارهم الوظيفي والتكويني والمهني، غالبا ما يساهم في بطء وتيرة تنفيذ الإصلاح وإرجاء معالجة ملفات وإشكالات ذات طابع استعجالي، وتعثر إكمال مسار بعض الإصلاحات التي تم إطلاقها.
وعلى الرغم من المجهود التشريعي والتنظيمي المتمثل بإعادة النظر في الجوانب المهيكلة للإصلاح وإقرار حكامة ترابية، والإرساء التدريجي للسبل الكفيلة بتطبيق الرؤية الإستراتيجية للإصلاح، والشروع في تحديد الأولويات وبرامج العمل والمشاريع والتدابير التطبيقية، فإن نظامنا التعليمي لازال لم يؤهل بالشكل المطلوب القدرات التدبيرية والتربوية للفاعلين في جميع مستويات القرار والتنفيذ . ولم يستكمل بعد تطبيق اللامركزية واللاتمركز، من خلال توسيع ونقل الاختصاصات والصلاحيات في مختلف مستويات المسؤولية، وأن استكمال سيرورة نظام للجودة، لم يتجاوز بعد حدود التجريب.
وبالرغم كذلك من التقدم الحاصل في ميادين التكوين المهني، وعلى مستوى تعميم التعليم، والرفع من فرص النجاح المدرسي، وتحفيز القدرات الذاتية والتنظيمية للفاعلين التربويين، وتعزيز البنيات التحتية، والتجهيزات، والمعدات التربوية، والرقمية. فإن الأثر المنشود في تطوير المردودية الداخلية وتحسين جودة التعليم ونسبة التأطير وتطوير البحث العلمي، والرفع من قابلية الشغل لدى الخريجيين وتعزيز قدراتهم لمواكبة المتطلبات المتسارعة للقطاعات السوسيو – اقتصادية، لازال بعيدا عن ما نطمح إليه جميعا.
كل هذا وغيره يدعونا:
أولا: إلى إعطاء نفس جديد وقوي لدعم تنفيذ الإصلاحات وفق الآجال المحددة، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للإصلاح، وبالخصوص، الاستناد إلى حكامة جيدة ووضع نظام وطني متكامل للمعلومات، من أجل إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تدبير وتقييم مختلف مكونات المنظومة.
ثانيا : التأسيس لتعاقد جديد بين المنظومة والمجتمع حول مدرسة المستقبل، في أفق ما بعد الرؤية الإستراتيجية 2015 – 2030، استنادا على حكامة تقوم على روح التحديث والتجديد والابتكار، وبما يلزم من الجدية والمسؤولية الوطنية.
ولا يسعني، إلا أن أجدد شكري وتقديري لعضوات وأعضاء اللجنة المكلفة بإعداد وتتبع البرنامج العلمي، ولجميع المشاركات والمشاركين، وأؤكد أن المجلس سيظل على استعداد لمواصلة اللقاءات مع الفاعلين في المجتمع التربوي، ومع كافة الشركاء في القطاعات الحكومية المعنية والمؤسسات الدستورية من أجل المواكبة المتواصلة لسيرورة إصلاح منظومتنا التربوية، ولإعداد تحول نوعي في المنظومة التربوية في سياق الانتقال الرقمي ورهانات الذكاء الاصطناعي ، وتحدي بناء مدرسة المستقبل الذكية، والمرور إلى وضعية مأمولة تعد بغد أفضل.
وأود في الختام أن أطلعكم، بأن مجلسنا سيستقبل نخبة من التلميذات والتلاميذ المقدسيين، ضمن برنامج مشاركة المجلس في فعاليات المعرض، بتعاون مع وكالة بيت مال القدس، غاية في إبراز أحد أشكال تضامننا مع الشعب الفلسطيني الأبي، في ما يتعرض له من احتلال وإبادة جماعية، ودعما معنويا لهؤلاء الأطفال، ومناسبة لهم للتواصل والانفتاح على التلاميذ المغاربة، الذين تشكل لهم القضية الفلسطينية كعامة الشعب المغربي، قضية مبدئية ومصيرية .
وفقنا الله لما فيه صالح أمتنا ووطننا، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.